إن آية الله الهادوي الطهراني من الأساتذة البارزين في دروس خارج الفقه و الأصول في الحوزة العلمية بقم و مؤلف كتاب "الولاية و الديانة" و له دراسات و تحقيقات واسعة في مختلف المجالات الفقهية من قبيل الفقه السياسي و هو يعدّ بلا ريب من فحول أساتذة الحوزة.
أجرينا حوارا معه حول الحكم الولائي و مكانته الفقهية و الحقوقية
بشكل عام، ما هو شأن الحكم الولائي في الشريعة الإسلامية المقدسة و في القانون الأساسي و النظام السياسي في الجمهورية الإسلامية في إيران؟
على أساس الأبحاث المتعلقة بالحكومة الإسلامية في الأبحاث الفقهية، من صلاحيات الحاكم الإسلامي هو أن يصدر الحكم؛ بمعنى أن يحرّم أو يوجب بعض الأعمال التي جوزت أو أبيحت بمعناها الواسع في الشريعة. و في بعض الحالات قد يتمّ تغيير الحكم الذي ثبتت حرمته في الشريعة. طبعا إن عملية تغيير الأحكام أو إصدار الحكم من قبل الحاكم تخضع لضوابط ثبتتها الشريعة، فبالنسبة للأحكام الملزمة في الشريعة كالواجبات أو المحرمات، شرط تدخل الحاكم و جواز إصدار الحكم الولائي هو أن يكون هناك تزاحم بين الأحكام.
يعني أن نقع في تزاحم بين تكليفين شرعيين بحيث لا نستطيع أن نلتزم بهما معا. هنا لا بد للحاكم بصفته المسؤول عن المجتمع الإسلامي أن يبادر لرفع التزاحم و أن يرجّح طرفا على الآخر. طبعا هذا الترجيح أيضا يخضع لضوابط محددة في الفقه. في الموارد التي لم يأت إلزام من الشرع و كان حكمها الأولي الإباحة، إذا أراد الحاكم أن يصدر حكما و يوجب عملا أو يحرّمه، فلابد من أن تكون هناك مصلحة عامة تقتضي ذلك. بهذه الشروط يستطيع الحاكم أن يصدر حكما ولائيا. و لا شك في أن الحاكم في زمن حضور المعصومين (ع) هم بالذات و في زمن الغيبة يتصدى الفقيه العادل الكفوء؛ أي الفقيه الذي يستطيع على إدارة الشؤون الحكومية كما أنه ذكرت في القانون الأساسي تحت عنوان شروط الولي الفقيه مجموعة من الشروط من قبيل الفقاهة و العدالة و الكفاءة و بعض التعابير كالمدير و المدبر ناظرة إلى نفس هذه الشروط.
على من يجب الامتثال للأحكام الولائية؟
إذا صدر الحكم الولائي من قبل الحاكم الجامع للشرائط، عند ذلك يجب الامتثال على جميع أفراد المجتمع المشمولين لهذا الحكم؛ سواء أكانوا من مقلديه أم لا، و حتى إن شمل هذا الحكم بعض الفقهاء الجامعين للشرائط يشملهم وجوب الامتثال. و حتى إن كان هذا الحكم يشمل الحاكم نفسه، فيشمله هذا الوجوب و ليس خارجا عنه. هذا هو الحكم الولائي الذي يشمل كل أفراد المجتمع حتى نفس الحاكم و لا يستثنى منه لكونه مصدر الحكومة. و ما ثبت في القانون الأساسي في الجمهورية الإسلامية من أن القائد و باقي الأفراد سواء تجاه القانون في الواقع ناظر إلى هذه المسألة. بالرغم من أن القانون يأخذ شرعيته من مصدر الولاية و لكن عندما صدر القانون من مصدره المشروع الواجد للشروط، عند ذلك يجب امتثاله على جميع أفراد المجتمع حتى على حاكم المجتمع الإسلامي و القائد نفسه و كذلك باقي الفقهاء الذين لهم حق الولاية من قبل الشرع في نفسه. هذا هو شأن الحكم الولائي الذي هو أوسع نطاقا من الفتوى.
ما الفرق بين الحكم الولائي و الفتوى؟
إن حجية الفتوى خاصة بصاحب الفتوى و مقلديه و هي حجة عليهم فقط، و يجب عليهم امتثالها و أن يعملوا على أساسها. أمّا الحكم الولائي فيجب اتباعه على جميع أفراد المجتمع حتى أولئك الذين لم يقلدوا الحاكم و حتى لو كانوا مجتهدين.
هل هناك أمثلة من إصدار الأحكام الولائية في زمن النبي (ص) أو الأئمة المعصومين (ع) و ما هي؟
لقد أصدر النبي (ص) أثناء وجوده في المدينة أحكاما كثيرة، سواء الأحكام المتعلقة بالحروب و الصلح أم الأحكام التي كان يصدرها و يعطي بعض المسؤوليات و الأدوار لبعض الأشخاص أم الأحكام الأخرى في مختلف الظروف. فعلى سبيل المثال قد وردت بعض الروايات في أن أمير المؤمنين (ع) قد أضاف الفرس إلى موارد الزكاة، مع أن الفرس خارج عن موارد الزكاة حسب المتعارف. فالظروف التي كان يعيشها أمير المؤمنين (ع) جعلته يشعر بضرورة إدخال الفرس في موارد الزكاة. و هناك الكثير من هذه الأمثلة في حياة الأئمة المعصومين (ع). فقد أحلوا الخمس في مقطع من تاريخ الإسلام و قالوا لا يجب على الشيعة أن يدفعوا الخمس. فقد شخص الأئمة آنذاك أن الشيعة لو دفعوا الخمس سيواجهون بعض المشاكل فمن أجل تسهيل الأمر على الشيعة قاموا بهذا التحليل. ثم بعد ذلك و في زمن الإمام الرضا (ع) أكدوا على وجوب دفع الخمس. و في الواقع قد تغيّر ذلك الحكم الذي صدر سابقا كحكم ولائي و رجع إلى حالته العادية. و كانت هذه المسائل في تاريخ النبي (ص) و الأئمة المعصومين (ع) كثيرة و هناك اختلاف حول بعضها بين الكتب الفقهية.
هل قد ذكرت في القانون الأساسي جميع صلاحيات الولي الفقيه و هل قد صرح بالحكم الولائي من ضمن صلاحياته أو أقرّ به بشكل عرفي؟
لقد ذكرت هذه المسألة في القانون الأساسي و هي أن مصدر شرعية الحكومة ولاية الفقيه. إذ من أعطي صلاحية الحكومة في الشريعة هو الفقيه الجامع للشرائط. إن القانون الأساسي في الواقع يمثل تفويض بعض صلاحيات الولي الفقيه لبعض المؤسسات الأخرى التي تم تعريفها في القانون. يعني إن التقنين جزء من شؤون الولي الفقيه و قد أعطي بعضه إلى مجلس الشورى الإسلامي، أو إن تنفيذ الأحكام و التصدي للأمور جزء من صلاحيات الولي الفقيه و يمكن أن تعطى هذه الصلاحية لشخص آخر لفترة معينة. كما أن القضاء أيضا من شؤون الحكومة و في عداد صلاحيات الولي الفقيه و على أساس القانون الأساسي قد فوضت هذه الصلاحية من القائد إلى القوة القضائية و هي تتحمل هذه المسؤولية ضمن شروط.
إذن القانون الأساسي هو عبارة عن توزيع و تقسيم صلاحيات الولي الفقيه بين المؤسسات الأخرى.
إن المسؤوليات و المهام التي لم تفوض في القانون الأساسي لمؤسسة خاصة، فهي من صلاحيات الولي الفقيه. إن أمضى القائد القانون الأساسي عند ذلك يصبح هذا القانون مشروعا و يجب الالتزام به على جميع أفراد المجتمع و حتى الولي الفقيه نفسه. طبعا إذا كان هناك تمهيد لتغيير القانون فيمكن إصلاح القانون الأساسي على أساس ذلك الأسلوب. فإذا تم إصلاح القانون الأساسي و أقرّه الولي الفقيه، يصبح مشروعا و يجب الالتزام به على جميع الناس حتى القائد نفسه.
أشرتم إلى أن القضاء من شؤون الولي الفقيه. ما هو الفرق بين القضاء و الحكم الولائي؟
هذا بحث فقهي و فني. القضاء هو أن يصدر الحاكم حكما قضائيا على الأساس الضوابط الثابتة في الأبحاث القضائية في المسائل المدنية و الجزائية. لقد فرّق الفقه بين الحكم القضائي و الحكم الولائي و الأحكام الفقهية و إن هذه الفوارق فنية و اصطلاحية. و القضاء غير الحكم الولائي. عندما يختلف اثنان على قضية، فيجب على المدعي أن يقيم بيّنة حسب الضوابط المذكورة في الشرع. يعني أن يأتي بشاهدين عادلين على ما يدعيه فإن استطاع ذلك يصدر الحاكم الحكم لصالحه. و إلا فيستطيع المنكر أن يقسم و يصدر الحكم لصالحه. و إن امتنع المنكر عن القسم و ما يسمى في الفقه بالنكول فإن أقسم المدعي يصدر الحكم لصالح المدعي. الحكم الذي يصدره القاضي في هذه الظروف على أساس الضوابط القضائية كالبينة و القسم التي حددها الإسلام و تؤدي إلى إصدار الحكم لصالح أحد الطرفين. طبعا ليس هذا بمعنى أنه لو كان حكم القاضي مخالفا للواقع و حصل خطأ في القضاء يتغير الحكم الواقعي. الأثر الوحيد الذي يترتب على الحكم القضائي هو أن من يدعي الخلاف و من حكم عليه، فلا يحق له أن يقيم دعواه على الطرف الآخر بعد و لا يحق له أن يتابع ملفّه. إن أثر الحكم القضائي حسب المصطلح الفقهي هو "فصل الخصومة"؛ يعني أن تعتبر هذه الخصومة مختومة في القانون و ينتفي بعد ذلك إمكان الاستمرار في الخصومة و متابعة النزاع. القضاء في مصطلح الفقه يطلق بشكل خاص على المسائل المدنية و إذا توسع في نطاقه يشمل المسائل الجزائية أيضا، إذ أن شؤون إجراء الحدود من الشؤون الولائية للحاكم لا من شؤون القضاء.
النظام الجزائي أيضا يخضع لضوابط فإذا ثبت جرما على أساسها، يصدر القاضي الحكم طبقا لإقرار المجرم أو على أساس البينة. و في الواقع إن هذا الحكم الذي هو حكم جزائي، من قبيل التشخيص و يتم على أساس مجموعة من الضوابط و عندما يأتي زمان تنفيذ الحكم و يجرى الحدّ، يعدّ إجراؤه من الشؤون الولائية و هو من صلاحيات الولي الخاصة. إن مفهوم الأحكام القضائية تختلف تماما عن الأحكام الولائية و الفقهية.
يطرح البعض هذه الشبهة و هي أن الحكم الولائي تدخّل في شؤون القوى الأخرى. كيف يمكن رد هذه الشبهة؟
إن مصدر صلاحيات جميع القوى هو إمضاء الولي الفقيه للقانون الأساسي و القوانين الأخرى التي تصوّب ضمن ضوابطها و معاييرها. فعندما يتمّ هذا الإمضاء، يجب على الجميع تنفيذه. فإذا أعطيت بعض الصلاحيات لرئيس القوة القضائية على أساس القانون الأساسي و أمضى الولي الفقيه هذه الصلاحيات، تثبت هذه الصلاحيات لرئيس القوة القضائية ما دام هذا الإمضاء ثابتا. لو كان الأمر هو أن في تلك الصلاحيات التي أعطيت للقوة القضائية قد أسقط الولي الفقيه حقه من التدخل فيها، لانتفى حقه في التدخل في الصلاحيات التي أسقطها عن نفسه. أما إذا لم يسلب هذه الصلاحيات من مصدر الولاية فعند ذلك يحق للولي الفقيه بصفته مصدر إعطاء الصلاحيات أن يتدخل و هذا ما لا بأس به من الناحية الشرعية.
مكتب آية الله مهدي الهادوي الطهراني
______________________
الروابط ذات الصلة:
وكالة تابناك للأنباء
مدونة كربلاي 5
مدونة فدائيان امام خامنئي
مدونة طاها نيوز الخبرية
مدونة طريق يار
صحيفة تهران امروز
آينده نيوز
آزادي نيوز
موقع ملل نيوز الخبري
موقع 598 الخبري
___________________________
1. لقاء آية الله الهادوي الطهراني مع صحيفة "مثلث" الأسبوعية نقلا عن وكالة تابناك للأنباء